{إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ...} الآية. لمَّا ضرب الله سبحانه المَثل للمشركين بالذُّباب والعنكبوت في كتابه ضحكت اليهود، وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله سبحانه، فأنزل الله تعالى: {إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ} لا يترك ولا يخشى {أن يضرب مثلاً} أَنْ يُبيِّنَ شبهاً {ما بعوضةً} {ما} زايدةٌ مؤكِّدة، والبعوض: صغار البق، الواحدة: بعوضة. {فما فوقها} يعني: فما هو أكبر منها، والمعنى: إنَّ الله تعالى لا يترك ضرب المثل ببعوضةٍ فما فوقها إذا علم أنَّ فيه عبرةُ لمن اعتبر، وحجَّةً على مَنْ جحد واستكبر {فأمَّا الذين آمنوا فيعلمون} أنَّ المثل وقع في حقِّه، {وأَمَّا الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً} أَيْ: أَيُّ شيءٍ أراد الله بهذا من الأمثال؟ والمعنى أنَّهم يقولون: أَيُّ فائدةٍ في ضرب الله المثل بهذا؟ فأجابهم الله سبحانه فقال: {يضلُّ به كثيراًً} أَيْ: أراد الله بهذا المثل أن يضلَّ به كثيراً من الكافرين، وذلك أنَّهم يُنكرونه ويُكذِّبونه {ويهدي به كثيراً} من المؤمنين، لأنَّهم يعرفونه ويصدِّقونه {وما يضلُّ به إلاَّ الفاسقين} الكافرين الخارجين عن طاعته.{الذين ينقضون} يهدمون ويفسدون {عهدَ الله}: وصيته وأمره في الكتب المتقدِّمة بالإِيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم {من بعد ميثاقه} من بعد توكيده عليهم بإيجابه ذلك {ويقطعون ما أمرَ الله به أَنْ يوصل} يعني: الرَّحم، وذلك أنَّ قريشاً قطعوا رحم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمعاداة معه {ويفسدون في الأرض} بالمعاصي وتعويق النَّاس عن الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم {أولئك هم الخاسرون} مغبونون بفوت المثوبة، والمصيرِ إلى العقوبة.{كيف تكفرون بالله} معنى {كيف} ها هنا استفهامٌ في معنى التَّعجُّب للخلقِ، أَي: اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون بالله وحالُهم أنَّهم كانوا تراباً فأحياهم، بأَنْ خلق فيهم الحياة، فالخطاب للكفَّار، والتَّعجب للمؤمنين، وقوله تعالى: {ثم يميتكم} أَيْ: في الدُّنيا {ثمَّ يُحييكم} في الآخرة للبعث {ثمَّ إليه ترجعون} تردُّون فيفعل بكم ما يشاء، فاستعظم المشركون أمر البعث والإعادة، فاحتجَّ الله سبحانه عليهم بخلق السَّموات والأرض، فقال: {هو الذي خلق لكم} لأجلكم {ما في الأرض جميعاً} بعضها للانتفاع، وبعضها للاعتبار، {ثمَّ استوى إلى السَّماء}: أقبل على خلقها، وقصد إليها {فسوَّاهنَّ سبع سموات} فجعلهنَّ سبع سمواتٍ مُستوياتٍ لا شقوق فيها ولا فطور ولا تفاوت {وهو بكلِّ شيءٍ عليم} إذ بالعلم يصحُّ الفعل المحكم.