سورة البقرة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ...} الآية. لمَّا ضرب الله سبحانه المَثل للمشركين بالذُّباب والعنكبوت في كتابه ضحكت اليهود، وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله سبحانه، فأنزل الله تعالى: {إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ} لا يترك ولا يخشى {أن يضرب مثلاً} أَنْ يُبيِّنَ شبهاً {ما بعوضةً} {ما} زايدةٌ مؤكِّدة، والبعوض: صغار البق، الواحدة: بعوضة. {فما فوقها} يعني: فما هو أكبر منها، والمعنى: إنَّ الله تعالى لا يترك ضرب المثل ببعوضةٍ فما فوقها إذا علم أنَّ فيه عبرةُ لمن اعتبر، وحجَّةً على مَنْ جحد واستكبر {فأمَّا الذين آمنوا فيعلمون} أنَّ المثل وقع في حقِّه، {وأَمَّا الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً} أَيْ: أَيُّ شيءٍ أراد الله بهذا من الأمثال؟ والمعنى أنَّهم يقولون: أَيُّ فائدةٍ في ضرب الله المثل بهذا؟ فأجابهم الله سبحانه فقال: {يضلُّ به كثيراًً} أَيْ: أراد الله بهذا المثل أن يضلَّ به كثيراً من الكافرين، وذلك أنَّهم يُنكرونه ويُكذِّبونه {ويهدي به كثيراً} من المؤمنين، لأنَّهم يعرفونه ويصدِّقونه {وما يضلُّ به إلاَّ الفاسقين} الكافرين الخارجين عن طاعته.
{الذين ينقضون} يهدمون ويفسدون {عهدَ الله}: وصيته وأمره في الكتب المتقدِّمة بالإِيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم {من بعد ميثاقه} من بعد توكيده عليهم بإيجابه ذلك {ويقطعون ما أمرَ الله به أَنْ يوصل} يعني: الرَّحم، وذلك أنَّ قريشاً قطعوا رحم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمعاداة معه {ويفسدون في الأرض} بالمعاصي وتعويق النَّاس عن الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم {أولئك هم الخاسرون} مغبونون بفوت المثوبة، والمصيرِ إلى العقوبة.
{كيف تكفرون بالله} معنى {كيف} ها هنا استفهامٌ في معنى التَّعجُّب للخلقِ، أَي: اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون بالله وحالُهم أنَّهم كانوا تراباً فأحياهم، بأَنْ خلق فيهم الحياة، فالخطاب للكفَّار، والتَّعجب للمؤمنين، وقوله تعالى: {ثم يميتكم} أَيْ: في الدُّنيا {ثمَّ يُحييكم} في الآخرة للبعث {ثمَّ إليه ترجعون} تردُّون فيفعل بكم ما يشاء، فاستعظم المشركون أمر البعث والإعادة، فاحتجَّ الله سبحانه عليهم بخلق السَّموات والأرض، فقال: {هو الذي خلق لكم} لأجلكم {ما في الأرض جميعاً} بعضها للانتفاع، وبعضها للاعتبار، {ثمَّ استوى إلى السَّماء}: أقبل على خلقها، وقصد إليها {فسوَّاهنَّ سبع سموات} فجعلهنَّ سبع سمواتٍ مُستوياتٍ لا شقوق فيها ولا فطور ولا تفاوت {وهو بكلِّ شيءٍ عليم} إذ بالعلم يصحُّ الفعل المحكم.


{وإذ قال ربك} واذكر لهم يا محمَّدُ إذ قال ربُّك {للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة} يعني: آدم، جعله خليفةً عن الملائكة الذين كانوا سكَّان الأرض بعد الجنِّ، والمراد بذكر هذه القصَّة ذكرُ بدءِ خلق النَّاس. {قالوا أتجعل فيها مَنْ يفسد فيها} كما فعل بنو الجانِّ، قاسوا الشَّاهد على الغائب {ونحن نسبح بحمدك} نُبرِّئُك من كلِّ سوءٍ، ونقول: سبحان الله وبحمده، {ونقدِّسُ لك} ونُنزِّهك عمَّا لا يليق بك {قال إني أعلم ما لا تعلمون} من إضمار إبليس العزم على المعصية، فلمَّا قال الله تعالى هذا للملائكة قالوا فيما بينهم: لن يخلق ربُّنا خلقاً هو أعلمُ منَّا، ففضَّل الله تعالى عليهم آدم بالعلم، وعلَّمه اسم كلِّ شيء حتى القصعة والقصيعة والمِغْرفة، وذلك قوله تعالى: {وعلَّم آدم الأسماءَ كلَّها} أَيْ: خلق في قلبه علماً بالأسماء على سبيل الابتداء {ثمَّ عرَضهم} أَيْ: عرض المسمَّيات بالأسماء من الحيوان والجماد وغير ذلك {على الملائكة فقال أنبئوني} أخبروني {بأسماء هؤلاء} وهذا أمرُ تعجيزٍ، أراد الله تعالى أن يُبيِّن عجزهم عن علم ما يرون ويُعاينون {إن كنتم صادقين} أنِّي لا أخلق خلقاً أعلمَ منكم، فقالت الملائكة إقراراً بالعجز واعتذاراً: {سبحانك} تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك في حكمك {لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا} اعترفوا بالعجز عن علم ما لم يُعلَّموه {إنَّك أنت العليم} العالم {الحكيم} الحاكم تحكم بالحقِّ وتقتضي به، فلمَّا ظهر عجز الملائكة قال الله تعالى لآدم: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم}.


{يا آدم أنبئهم بأسمائهم} أخبرهم بتسمياتهم، فسمَّى كلَّ شيءٍ باسمه، وألحق كلَّ شيءٍ بجنسه {فلما أنبأهم بأسمائهم}: أخبرهم بمسمَّياتهم {قال} الله تعالى للملائكة: {ألم أقل لكم} وهذا استفهامٌ يتضمَّن التَّوبيخ لهم على قولهم: {أتجعل فيها مَنْ يفسد فيها}. {إني أعلم غيب السموات والأرض} أَيْ: ما غاب فيهما عنكم {وأعلم ما تبدون}: علانيتكم {وما كنتم تكتمون}: سرَّكم، لا يخفى عليَّ شيءٌ من أموركم.
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} سجود تعظيمٍ وتسليمٍ وتحيَّةٍ، وكان ذلك انحناءاً يدلُّ على التَّواضع، ولم يكن وضعَ الوجه على الأرض، {فسجدوا إلاَّ إبليس أبى} امتنع {واستكبر وكان من الكافرين} في سابق علم الله عزَّ وجلَّ.
{وقلنا يا آدم اسكنْ أنت وزوجك الجنَّة} اتَّخذاها مأوىً ومنزلاً {وكلا منها رغداً} واسعاً {حيث شئتما} ما شئتما كيف شئتما {ولا تقربا هذه الشجرة} لا تحوما حولها بالأكل منها، يعني السُّنبلة {فتكونا} فتصيرا {من الظالمين}: العاصين الذين وضعوا أمر الله عزَّ وجلَّ غير موضعه.
{فأزلَّهما الشيطان} نحَّاهما وبعَّدهما {عنها فأخرجهما ممَّا كانا فيه} من الرُّتبة ولين العيش {وقلنا} لآدم وحواء وإبليس والحيَّة: {اهبطوا} أي: انزلوا إلى الأرض {بعضكم لبعض عدو} يعني: العداوة التي بين آدم وحواء والحيَّة. وبين ذرية آدم عليه السَّلام من المؤمنين وبين إبليس لعنه الله، {ولكم في الأرض مستقر} موضع قرارٍ {ومتاع إلى حين} ما تتمتَّعون به ممَّا تُنبته الأرض إلى حين الموت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8